فصل: أركانه وما قاله الفقهاء في شروطها

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


خلع

التّعريف

1 - الخَلع ‏"‏ بالفتح ‏"‏ لغةً هو النّزع والتّجريد، والخُلع ‏"‏ بالضّمّ ‏"‏ اسم من الخلع‏.‏

وأمّا الخلع عند الفقهاء فقد عرّفوه بألفاظ مختلفة تبعًا لاختلاف مذاهبهم في كونه طلاقاً أو فسخاً، فالحنفيّة يعرّفونه بأنّه عبارة عن‏:‏ أخذ مال من المرأة بإزاء ملك النّكاح بلفظ الخلع‏.‏ وتعريفه عند الجمهور في الجملة هو‏:‏فرقة بعوض مقصود لجهة الزّوج بلفظ طلاق أو خلع‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الصّلح‏:‏

2 - الصّلح في اللّغة اسم من المصالحة وهي التّوفيق والمسالمة بعد المنازعة، ومعناه في الشّرع عقد يرفع النّزاع، والصّلح من الألفاظ الّتي يؤوّل إليها معنى الخلع الّذي هو بذل المرأة العوض على طلاقها، والخلع يطلق غالباً على حالة بذلها له جميع ما أعطاها، والصّلح على حالة بذلها بعضه‏.‏

ب - الطّلاق‏:‏

3 - الطّلاق من ألفاظ الخلع عند الشّافعيّة والحنابلة كما سيأتي، ومعناه في اللّغة اسم بمعنى التّطليق، كالسّلام بمعنى التّسليم وتركيب هذا اللّفظ يدلّ على الحلّ والانحلال، ومنه إطلاق الأسير إذا حلّ إساره وخلّي عنه‏.‏

وأمّا في الشّرع فمعناه‏:‏ رفع قيد النّكاح من أهله في محلّه، وأمّا صلته بالخلع، سوى ما ذكر فهي أنّ الفقهاء اختلفوا في الخلع هل هو طلاق بائن، أو رجعيّ، أو فسخ، على أقوال سيأتي تفصيلها‏.‏

والطّلاق على مال هو في أحكامه كالخلع عند الحنفيّة، لأنّ كلّ واحد منهما طلاق بعوض فيعتبر في أحدهما ما يعتبر في الآخر إلاّ أنّهما يختلفان من ثلاثة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ يسقط بالخلع في رأي أبي حنيفة كلّ الحقوق الواجبة لأحد الزّوجين على الآخر بسبب الزّواج، كالمهر، والنّفقة الماضية المتجمّدة أثناء الزّواج، لكن لا تسقط نفقة العدّة لأنّها لم تكن واجبة قبل الخلع فلا يتصوّر إسقاطها به، بخلاف الطّلاق على مال فإنّه لا يسقط به شيء من حقوق الزّوجين، ويجب به المال المتّفق عليه فقط‏.‏

الثّاني‏:‏ إذا بطل العوض في الخلع مثل أن يخالع المسلم على خمر أو خنزير أو ميتة فلا شيء للزّوج، والفرقة بائنة، بخلاف الطّلاق فإنّ العوض إذا بطل فيه وقع رجعيّاً في غير الطّلقة الثّالثة، لأنّ الخلع كناية، أمّا الطّلاق على مال فهو صريح، والبينونة إنّما تثبت بتسمية العوض إذا صحّت التّسمية، فإذا لم تصحّ التحقت بالعدم فبقي صريح الطّلاق فيكون رجعيّاً‏.‏

الثّالث‏:‏ الطّلاق على مال، طلاق بائن، ينقص به عدد الطّلقات بلا خلاف، وأمّا الخلع فالفقهاء مختلفون في كونه طلاقًا ينقص به عدد الطّلقات، أو فسخاً لا ينقص به عددها كما سيأتي‏.‏

ج - الفدية‏:‏

4 - الفدية في اللّغة اسم للمال الّذي يدفع لاستنقاذ الأسير، وجمعها فدىً وفديات، وفاديته مفاداة، وفداءً أطلقته وأخذت فديته‏.‏ وفدت المرأة نفسها من زوجها تفدي، وافتدت أعطته مالاً حتّى تخلّصت منه بالطّلاق، والفقهاء لا يخرجون في تعريفهم للفدية عمّا ورد في اللّغة‏.‏ والفدية والخلع معناهما واحد، وهو بذل المرأة العوض على طلاقها، ولفظ المفاداة من الألفاظ الصّريحة في الخلع عند الشّافعيّة وعند الحنابلة لوروده في القرآن‏.‏

د - الفسخ‏:‏

5 - الفسخ مصدر فسخ ومن معانيه في اللّغة الإزالة، والرّفع، والنّقض، والتّفريق‏.‏

وأمّا عند الفقهاء فقد ذكر السّيوطيّ وابن نجيم أنّ حقيقة الفسخ حلّ ارتباط العقد، وذكر الزّركشيّ أنّ الفسخ قلب كلّ واحد من العوضين إلى صاحبه، والانفساخ انقلاب كلّ واحد من العوضين إلى دافعه، وصلة الفسخ بالخلع هي أنّ الخلع فسخ على قول‏.‏

والفسخ من الألفاظ الصّريحة في الخلع عند الحنابلة‏.‏

هـ – المبارأة‏:‏

6 - المبارأة صيغة مفاعلة تقتضي المشاركة في البراءة، وهي في الاصطلاح اسم من أسماء الخلع والمعنى واحد وهو بذل المرأة العوض على طلاقها لكنّها تختصّ بإسقاط المرأة عن الزّوج حقّاً لها عليه‏.‏

وهي عند أبي حنيفة كالخلع كلاهما يسقطان كلّ حقّ لكلّ واحد من الزّوجين على الآخر ممّا يتعلّق بالنّكاح كالمهر والنّفقة الماضية دون المستقبلة، لأنّ الخلع ينبئ عن الفصل، ومنه خلع النّعل وخلع العمل وهو مطلق كالمبارأة فيعمل بإطلاقهما في النّكاح وأحكامه وحقوقه‏.‏ وقال محمّد‏:‏ لا يسقط بهما إلاّ ما سمّياه لأنّ هذه معاوضة، وفي المعاوضات يعتبر المشروط لا غيره، وأمّا أبو يوسف فقد وافق محمّداً في الخلع وخالفه في المبارأة، وخالف أبا حنيفة في الخلع، ووافقه في المبارأة، لأنّ المبارأة مفاعلة من البراءة فتقتضيها من الجانبين، وأنّه مطلق قيّدناه بحقوق النّكاح لدلالة الغرض، أمّا الخلع فمقتضاه الانخلاع، وقد حصل في نقض النّكاح ولا ضرورة إلى انقطاع الأحكام‏.‏

حقيقة الخلع

7 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ الخلع إذا وقع بلفظ الطّلاق أو نوى به الطّلاق فهو طلاق وإنّما الخلاف بينهم في وقوعه بغير لفظ الطّلاق ولم ينو به صريح الطّلاق أو كنايته‏.‏

فذهب الحنفيّة في المفتى به والمالكيّة والشّافعيّ في الجديد والحنابلة في رواية عن أحمد إلى أنّ الخلع طلاق‏.‏

وذهب الشّافعيّ في القديم والحنابلة في أشهر ما يروى عن أحمد إلى أنّه فسخ‏.‏

هذا والقائلون بأنّ الخلع طلاق متّفقون على أنّ الّذي يقع به طلقة بائنة، لأنّ الزّوج ملك البدل عليها فتصير هي بمقابلته أملك لنفسها، ولأنّ غرضها من التزام البدل أن تتخلّص من الزّوج ولا يحصل ذلك إلاّ بوقوع البينونة‏.‏ إلاّ أنّ الحنفيّة ذكروا أنّ الزّوج إن نوى بالخلع ثلاث تطليقات فهي ثلاث، لأنّه بمنزلة ألفاظ الكناية، وإن نوى اثنتين فهي واحدة بائنة عند غير زفر، وعنده ثنتان، كما في لفظ الحرمة والبينونة وبه قال مالك‏.‏

والخلاف في هذه المسألة إنّما يكون بعد تمام الخلع لا قبله، وسبب الخلاف في كون الخلع طلاقاً أو فسخاً، أنّ اقتران العوض فيه هل يخرجه من نوع فرقة الطّلاق إلى نوع فرقة الفسخ، أو لا يخرجه‏.‏

احتجّ القائلون بأنّ الخلع فسخ بأنّ ابن عبّاس رضي الله عنهما‏:‏ احتجّ بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ‏}‏ ثمّ قال‏:‏ ‏{‏فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ‏}‏ ثمّ قال‏:‏ ‏{‏فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ‏}‏، فذكر تطليقتين، والخلع، وتطليقةً بعدها، فلو كان الخلع طلاقاً لكان أربعاً، ولأنّها فرقة خلت عن صريح الطّلاق ونيّته فكانت فسخاً كسائر الفسوخ‏.‏

واحتجّوا أيضاً بما رواه أبو داود والتّرمذيّ عن ابن عبّاس رضي الله عنهما «أنّ امرأة ثابت بن قيس اختلعت من زوجها فأمرها النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن تعتدّ بحيضة»‏.‏

وبما رواه التّرمذيّ عن «الرّبيّع بنت معوّذ رضي الله عنهما أنّها اختلعت على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فأمرها النّبيّ صلى الله عليه وسلم أو أمرت أن تعتدّ بحيضة»‏.‏ ووجه الاستدلال بهذين الحديثين أنّ الخلع لو كان طلاقاً لم يقتصر صلى الله عليه وسلم على الأمر بحيضة‏.‏

واحتجّ القائلون بأنّ الخلع طلاق بأنّه لفظ لا يملكه إلاّ الزّوج فكان طلاقاً، ولو كان فسخاً لما جاز على غير الصّداق كالإقالة، لكنّ الجمهور على جوازه بما قلّ وكثر فدلّ على أنّه طلاق ‏;‏ ولأنّ المرأة إنّما بذلت العوض للفرقة، والفرقة الّتي يملك الزّوج إيقاعها هي الطّلاق دون الفسخ، فوجب أن يكون طلاقاً، ولأنّه أتى بكناية الطّلاق قاصداً فراقها، فكان طلاقاً كغير الخلع من كنايات الطّلاق‏.‏

واحتجّوا أيضاً بما روي عن عمر وعليّ وابن مسعود رضي الله عنهم موقوفاً عليهم‏:‏ الخلع تطليقة بائنة، والمعنى فيه كما في المبسوط أنّ النّكاح لا يحتمل الفسخ بعد تمامه‏.‏

والخلع يكون بعد تمام العقد فيجعل لفظ الخلع عبارةً عن رفع العقد في الحال مجازاً، وذلك إنّما يكون بالطّلاق، وأمّا الآية فقد ذكر اللّه تعالى التّطليقة الثّالثة بعوض وبغير عوض، وبهذا لا يصير الطّلاق أربعاً، وأمّا ما روي عن ابن عبّاس رضي الله عنهما من خلاف في هذه المسألة فقد ثبت رجوعه عنه‏.‏

ويتفرّع على كون الخلع طلاقاً أنّه إن نوى بالخلع أكثر من تطليقة عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وزفر يقع ما نواه‏.‏

وعند الحنفيّة إن نوى ثلاث تطليقات فهي ثلاث، لأنّه بمنزلة ألفاظ الكناية، وإن نوى اثنتين فهي واحدة بائنة عند غير زفر من الحنفيّة، لأنّ الخلع معناه الحرمة، وهي لا تحتمل التّعدّد لكنّ نيّة الثّلاث تدلّ على تغليظ الحرمة فتعتبر بينونةً كبرى‏.‏

ويتفرّع على كونه فسخاً أنّه لو خالعها مرّتين ثمّ خالعها مرّةً أخرى، أو خالعها بعد طلقتين فله أن يتزوّجها حتّى وإن خالعها مائة مرّة، لأنّ الخلع على هذا القول لا يحتسب من الطّلقات‏.‏

واختلف الشّافعيّة فيما إذا نوى بالخلع الطّلاق مع تفريعهم على أنّه فسخ هل يقع الطّلاق أو لا‏؟‏ فيه وجهان‏.‏

8- واختلف الفقهاء في كون الخلع معاوضةً من جانب الزّوجة دون الزّوج، أو منهما معاً، وفي كونه يميناً من جانب الزّوج دون الزّوجة أو منهما معاً، فذهب أبو حنيفة إلى أنّ الخلع من جانب الزّوجة معاوضة، ومن جانب الزّوج يمين وذهب الصّاحبان إلى أنّه يمين من الجانبين، ويترتّب على كون الخلع يميناً من جانب الزّوج أنّه لا يصحّ رجوعه عنه قبل قبولها، ولا يصحّ شرط الخيار له، ولا يقتصر على مجلس الزّوج، فلا يبطل بقيامه، ويقتصر قبولها على مجلس علمها، ويترتّب على كونه معاوضةً من جانبها صحّة رجوعها قبل قبوله، وصحّ شرط الخيار لها ولو أكثر من ثلاثة أيّام، ويقتصر على المجلس كالبيع، ويشترط في قبولها علمها بمعناه، لأنّه معاوضة بخلاف الطّلاق والعتاق‏.‏

وذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ الخلع معاوضة من الجانبين، إلاّ أنّ الشّافعيّة ذكروا أنّ المعاوضة على القول بأنّ الخلع طلاق معاوضة فيها شوب تعليق لتوقّف وقوع الطّلاق فيه على قبول المال، وأمّا على القول بأنّه فسخ فهي معاوضة محضة لا مدخل للتّعليق فيها، فيكون الخلع في هذه الحالة كابتداء البيع،وللزّوج الرّجوع قبل قبول الزّوجة، لأنّ هذا شأن المعاوضات‏.‏

وصرّح الحنابلة أنّ العوض في الخلع كالعوض في الصّداق، والبيع إن كان مكيلاً أو موزوناً لم يدخل في ضمان الزّوج، ولم يملك التّصرّف فيه إلاّ بقبضه، وإن كان غيرهما دخل في ضمانه بمجرّد الخلع وصحّ تصرّفه فيه‏.‏

الحكم التّكليفيّ

9 - الخلع جائز في الجملة سواء في حالة الوفاق والشّقاق خلافًا لابن المنذر‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ يصحّ الخلع في حالتي الشّقاق والوفاق، ثمّ لا كراهة فيه إن جرى في حال الشّقاق،أو كانت تكره صحبته لسوء خلقه، أو دينه، أو تحرّجت من الإخلال ببعض حقوقه، أو ضربها تأديباً فافتدت، وألحق الشّيخ أبو حامد به ما إذا منعها نفقةً أو غيرها فافتدت لتتخلّص منه، قال القليوبيّ‏:‏ فإن منعها النّفقة لكي تختلع منه فهو من الإكراه فتبين منه بلا مال إذا ثبت الإكراه، قال الرّمليّ‏:‏ والمعتمد أنّه ليس بإكراه‏.‏

وجاء في مغني المحتاج استثناء حالتين من الكراهة‏:‏

إحداهما أن يخافا أو أحدهما أن لا يقيما حدود اللّه أي ما افترضه في النّكاح‏.‏

والثّانية‏:‏ أن يحلف بالطّلاق الثّلاث على فعل شيء لا بدّ له منه كالأكل والشّرب وقضاء الحاجة، فيخلعها، ثمّ يفعل الأمر المحلوف عليه، ثمّ يتزوّجها فلا يحنث لانحلال اليمين بالفعلة الأولى، إذ لا يتناول إلاّ الفعلة الأولى وقد حصلت، فإن خالعها ولم يفعل المحلوف عليه ففيه قولان‏:‏ أصحّهما‏:‏ أنّه يتخلّص من الحنث فإذا فعل المحلوف عليه بعد النّكاح لم يحنث، لأنّه تعليق سبق هذا النّكاح فلم يؤثّر فيه، كما إذا علّق الطّلاق قبل النّكاح على صفة وجدت بعده‏.‏

والخلاف في كون الخلع جائزاً أو مكروهاً إنّما هو من حيث المعاوضة على العصمة، كما في حاشية الصّاويّ، وأمّا من حيث كونه طلاقاً فهو مكروه بالنّظر لأصله أو خلاف الأولى، لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «أبغض الحلال إلى اللّه الطّلاق»‏.‏

واستدلّوا بالكتاب والسّنّة وإجماع الأمّة، أمّا الكتاب فقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ‏}‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً‏}‏‏.‏

وأمّا السّنّة فما رواه البخاريّ في امرأة ثابت بن قيس بقوله صلى الله عليه وسلم له‏:‏ «اقبل الحديقة وطلّقها تطليقةً» وهو أوّل خلع وقع في الإسلام‏.‏

وأمّا الإجماع فهو إجماع الصّحابة والأمّة على مشروعيّته وجوازه‏.‏

واستدلّوا من المعقول بأنّ ملك النّكاح حقّ الزّوج فجاز له أخذ العوض عنه كالقصاص‏.‏

10 - وأمّا الحنابلة فقد ذكروا أنّ الخلع على ثلاثة أضرب‏:‏

الأوّل‏:‏ مباح الخلع وهو أن تكره المرأة البقاء مع زوجها لبغضها إيّاه، وتخاف ألاّ تؤدّي حقّه، ولا تقيم حدود اللّه في طاعته، فلها أن تفتدي نفسها منه لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ‏}‏‏.‏

ويسنّ للزّوج إجابتها، لما رواه البخاريّ عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال‏:‏ «جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول اللّه‏:‏ ما أنقم على ثابت في دين ولا خلق إلاّ أنّي أخاف الكفر فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ فتردّي عليه حديقته فقالت‏:‏ نعم‏.‏ فردّت عليه، وأمره ففارقها» ولأنّ حاجتها داعية إلى فرقته، ولا تصل إلى الفرقة إلاّ ببذل العوض فأبيح لها ذلك، ويستثنى من ذلك ما لو كان الزّوج له إليها ميل ومحبّة فحينئذ يستحبّ صبرها وعدم افتدائها، قال أحمد‏:‏ ينبغي لها أن تصبر‏.‏

قال القاضي‏:‏ أي على سبيل الاستحباب، ولا كراهة في ذلك، لنصّهم على جوازه في غير موضع‏.‏

الثّاني‏:‏ مكروه‏:‏ كما إذا خالعته من غير سبب مع استقامة الحال لحديث ثوبان أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «أيّما امرأة سألت زوجها طلاقًا في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنّة» ولأنّه عبث فيكون مكروهاً، ويقع الخلع، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً‏}‏ ويحتمل كلام أحمد تحريمه وبطلانه، لأنّه قال الخلع مثل حديث سهلة تكره الرّجل فتعطيه المهر فهذا الخلع ووجه ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ‏}‏‏.‏

الثّالث‏:‏ محرّم‏:‏ كما إذا عضل الرّجل زوجته بأذاه لها ومنعها حقّها ظلماً لتفتدي نفسها منه لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ‏}‏ فإن طلّقها في هذه الحال بعوض لم يستحقّه، لأنّه عوض أكرهت على بذله بغير حقّ فلم يستحقّه ويقع الطّلاق رجعيّاً‏.‏ وإن خالعها بغير لفظ الطّلاق فعلى القول بأنّه طلاق فحكمه ما ذكر، وإلاّ فالزّوجيّة بحالها، فإن أدّبها لتركها فرضًا أو نشوزها فخالعته لذلك لم يحرم، لأنّه ضربها بحقّ، وإن زنت فعضلها لتفتدي نفسها منه جاز وصحّ الخلع لقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ‏}‏ والاستثناء من النّهي إباحة‏.‏

وإن ضربها ظلماً لغير قصد أخذ شيء منها فخالعته لذلك صحّ الخلع، لأنّه لم يعضلها ليأخذ ممّا آتاها شيئاً‏.‏

وذكر الحنابلة أيضاً أنّ الخلع يحرم حيلةً لإسقاط يمين طلاق، ولا يصحّ ولا يقع، لأنّ الحيل خداع لا تحلّ ما حرّم اللّه‏.‏

هذا واختار ابن المنذر عدم جواز الخلع حتّى يقع الشّقاق منهما جميعاً وتمسّك بظاهر قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ‏}‏‏.‏

وبذلك قال طاوس والشّعبيّ وجماعة من التّابعين‏.‏

وأجاب عن ذلك جماعة منهم الطّبريّ بأنّ المراد أنّها إذا لم تقم بحقوق الزّوج كان ذلك مقتضياً لبغض الزّوج لها فنسبت المخافة إليهما لذلك، ويؤيّد عدم اعتبار ذلك من جهة الزّوج أنّه صلى الله عليه وسلم لم يستفسر ثابتاً عن كراهته لها عند إعلانها بالكراهة له، على أنّ ذكر الخوف في الآية جرى على الغالب، لأنّ الغالب وقوع الخلع في حالة التّشاجر، ولأنّه إذا جاز حالة الخوف وهي مضطرّة إلى بذل المال ففي حالة الرّضا أولى‏.‏

11 - وصرّح المالكيّة - على الأصحّ عندهم - بأنّها إذا خالعته درءاً لضرره فإنّ الزّوج يردّ المال الّذي خالعها به، ولو كانت قد أسقطت البيّنة الّتي أشهدتها بأنّها خالعته لدرء ضرره‏.‏

جواز أخذ العوض من المرأة

12 - ذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى جواز أخذ الزّوج عوضاً من امرأته في مقابل فراقه لها سواء كان العوض مساوياً لما أعطاها أو أقلّ أو أكثر منه ما دام الطّرفان قد تراضيا على ذلك، وسواء كان العوض منها أو من غيرها، وسواء كان العوض نفس الصّداق أو مالاً آخر غيره أكثر أو أقلّ منه‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّ الزّوج لا يستحبّ له أن يأخذ منها أكثر ممّا أعطاها بل يحرم عليه الأخذ إن عضلها ليضطرّها إلى الفداء‏.‏

وفصّل الحنفيّة فقالوا‏:‏ إن كان النّشوز من جهة الزّوج كره له كراهة تحريم أخذ شيء منها، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً‏}‏‏.‏ ولأنّه أوحشها بالفراق فلا يزيد إيحاشها بأخذ المال، وإن كان النّشوز من قبل المرأة لا يكره له الأخذ، وهذا بإطلاقه يتناول القليل والكثير، وإن كان أكثر ممّا أعطاها وهو المذكور في الجامع الصّغير، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ‏}‏‏.‏

وقال القدوريّ‏:‏ إن كان النّشوز منها كره له أن يأخذ منها أكثر ممّا أعطاها وهو المذكور في الأصل ‏"‏ من كتب ظاهر الرّواية ‏"‏ لقوله صلى الله عليه وسلم «في امرأة ثابت بن قيس‏:‏ أمّا الزّيادة فلا»‏.‏ وقد كان النّشوز منها، ولو أخذ الزّيادة جاز في القضاء، وكذلك إذا أخذ والنّشوز منه، لأنّ مقتضى ما ذكر يتناول الجواز والإباحة، وقد ترك العمل في حقّ الإباحة لمعارض، فبقي معمولاً في الباقي‏.‏

جوازه بحاكم وبلا حاكم

13 - ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز الخلع بحاكم وبلا حاكم، وهو قول عمر رضي الله عنه، فقد روى ابن أبي شيبة عن طريق خيثمة بن عبد الرّحمن موصولاً ‏"‏ أن بشر بن مروان أتي في خلع كان بين رجل وامرأة فلم يجزه فقال له عبد اللّه بن شهاب الخولانيّ‏:‏ قد أتى عمر في خلع فأجازه ‏"‏ ولأنّ الطّلاق من حيث النّظر جائز بلا حاكم فكذلك الخلع‏.‏

وذهب الحسن البصريّ كما ذكر الحافظ في الفتح إلى عدم جواز الخلع دون السّلطان بدليل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ‏}‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا‏}‏‏.‏

قال‏:‏ فجعل الخوف لغير الزّوجين ولم يقل فإن خافا‏.‏

وقت الخلع

14 - صرّح الشّافعيّة والحنابلة أنّ الخلع جائز في الحيض والطّهر الّذي أصابها فيه، لأنّ المنع من الطّلاق في الحيض للضّرر الّذي يلحقها بتطويل العدّة، والخلع شرع لرفع الضّرر الّذي يلحقها بسوء العشرة والتّقصير في حقّ الزّوج، والضّرر بذلك أعظم من الضّرر بتطويل العدّة، فجاز دفع أعظم الضّررين بأخفّهما، ولذلك لم يسأل النّبيّ صلى الله عليه وسلم المختلعة عن حالها، ولأنّ ضرر تطويل العدّة عليها والخلع يحصل بسؤالها فيكون ذلك رضاءً منها به ودليلاً على رجحان مصلحتها فيه‏.‏

أركانه وما قاله الفقهاء في شروطها

15 - للخلع عند غير الحنفيّة خمسة أركان

وهي‏:‏ الموجب - القابل - المعوّض - العوض - الصّيغة‏.‏

فالموجب‏:‏ الزّوج أو وليّه، والقابل‏:‏ الملتزم للعوض، والمعوّض‏:‏ الاستمتاع بالزّوجة، والعوض‏:‏ الشّيء المخالع به، والصّيغة، الإيجاب والقبول والألفاظ الّتي يقع بها الخلع‏.‏ وأمّا الحنفيّة فقد ذكروا له ركنين إن كان بعوض وهما‏:‏ الإيجاب والقبول، لأنّه عقد على الطّلاق بعوض، فلا تقع الفرقة ولا يستحقّ العوض بدون القبول، بخلاف الخلع بغير عوض فإنّه إذا قال خالعتك ولم يذكر العوض ونوى الطّلاق فإنّه يقع الطّلاق عليها، سواء قبلت أو لم تقبل، لأنّ ذلك طلاق بغير عوض فلا يفتقر إلى القبول، وقد ذكر الفقهاء لكلّ ركن من هذه الأركان شروطاً وأحكاماً نذكرها فيما يلي‏:‏

الرّكن الأوّل‏:‏ الموجب‏:‏

16 - اتّفق الفقهاء على أنّه يشترط في الموجب أن يكون ممّن يملك التّطليق‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏طلاق‏)‏‏.‏

فالمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة يجيزون خلع المحجور عليه لفلس، أو سفه، أو رقّ قياساً على الطّلاق، لأنّهم يملكونه، وجاز عند الحنابلة أيضاً خلع الصّبيّ المميّز في وجه بناءً على صحّة طلاقه، وذكر الشّافعيّة والحنابلة أنّ المختلع لا يجوز له تسليم المال إلى السّفيه بل يسلّمه إلى الوليّ، لأنّ الوليّ هو الّذي يقبض حقوقه وأمواله وهذا من حقوقه خلافاً للقاضي من الحنابلة حيث قال‏:‏ يصحّ قبضه لعوض لصحّة خلعه فيصحّ قبضه، كالمحجور عليه لفلس، والأولى كما في المغني عدم جواز تسليم المال إلى المحجور عليه، لأنّ الحجر أفاد منعه من التّصرّف‏.‏

الرّكن الثّاني‏:‏ القابل‏:‏

17 - يشترط في قابل الخلع من الزّوجة أو الأجنبيّ أن يكون مطلق التّصرّف في المال صحيح الالتزام‏.‏ فلو خالع امرأته الصّغيرة على مهرها فقبلت أو قالت الصّغيرة لزوجها اخلعني على مهري ففعل وقع الطّلاق بغير بدل، كما ذكر الحنفيّة والشّافعيّة في وجه، وإن كان باذل العوض غير رشيد ردّ الزّوج المال المبذول وبانت منه، ما لم يعلّق بقوله‏:‏ إن تمّ لي هذا المال فأنت طالق، أو إن صحّت براءتك فطالق كما ذكر المالكيّة، فإذا ردّ الوليّ أو الحاكم المال من الزّوج في هذه الصّورة لم يقع طلاق، بخلاف ما إذا قاله لرشيدة أو رشيد، أو قاله بعد صدور الطّلاق فلا ينفعه‏.‏

وذكر الحنابلة أنّ خلع المحجور عليها لصغر أو سفه، أو جنون لا يصحّ حتّى لو أذن فيه الوليّ، لأنّه تصرّف في المال وليست من أهله، ولا إذن للوليّ في التّبرّعات‏.‏

وأمّا المحجور عليها لفلس فيصحّ منها الخلع على مال في ذمّتها كما ذكر الحنابلة، لأنّ لها ذمّةً يصحّ تصرّفها فيها، وليس له مطالبتها حال حجرها، كما لو استدانت من إنسان في ذمّتها أو باعها شيئاً بثمن في ذمّتها، ويكون ما خالعت عليه ديناً في ذمّتها، يؤخذ منها إذا انفكّ عنها الحجر وأيسرت‏.‏ أمّا لو خالعت بمعيّن من مالها فلا يصحّ لتعلّق حقّ الغرماء به‏.‏

الخلع في مرض الموت أو المرض المخوف

أ - مرض الزّوجة‏:‏

18 - يجوز للزّوجة المريضة مرضاً مخوفاً أن تخالع زوجها في مرضها باتّفاق الفقهاء في الجملة، لأنّه معاوضة كالبيع، وإنّما الخلاف بينهم في القدر الّذي يأخذه الزّوج في مقابل ذلك مخافة أن تكون الزّوجة راغبةً في محاباته على حساب الورثة‏.‏

وقد ذكر الحنفيّة أنّ خلع المريضة يعتبر من الثّلث لأنّه تبرّع فله الأقلّ من إرثه، وبدل الخلع إن خرج من الثّلث وإلاّ فالأقلّ من إرثه، والثّلث إن ماتت في العدّة، أمّا لو ماتت بعدها أو قبل الدّخول فله البدل إن خرج من الثّلث‏.‏

وذكر الشّافعيّة أنّ الخلع إن كان بمهر المثل نفذ دون اعتبار الثّلث، وإن كان بأكثر فالزّيادة كالوصيّة للزّوج، وتعتبر الزّيادة الثّلث ولا تكون كالوصيّة للوارث لخروجه ‏"‏ أي الزّوج ‏"‏ بالخلع عن الإرث، ولو اختلعت بجمل قيمته مائة درهم ومهر مثلها خمسون ‏"‏ درهماً ‏"‏ فقد حابت بنصف الجمل، فينظر إن خرجت المحاباة من الثّلث، فالجمل كلّه للزّوج عوضاً ووصيّةً‏.‏

وحكى الشّيخ أبو حامد وجهاً أنّه بالخيار بين أن يأخذ الجمل، وبين أن يفسخ العقد ويرجع إلى مهر المثل، لأنّه دخل في العقد على أن يكون الجمل عوضاً‏.‏

والصّحيح الأوّل، إذ لا نقص ولا تشقيص، وإن لم يخرج من الثّلث بأن كان عليها دين مستغرق لم تصحّ المحاباة، والزّوج بالخيار بين أن يمسك نصف الجمل وهو قدر مهر المثل ويرضى بالتّشقيص، وبين أن يفسخ المسمّى ويضارب الغرماء بمهر المثل، وإن كان لها وصايا أخر، فإن شاء الزّوج أخذ نصف الجمل وضارب أصحاب الوصايا في النّصف الآخر، وإن شاء فسخ المسمّى وتقدّم بمهر المثل على أصحاب الوصايا ولا حقّ له في الوصيّة، لأنّها كانت من ضمن المعاوضة وقد ارتفعت بالفسخ، وإن لم يكن دين، ولا وصيّة، ولا شيء لها سوى ذلك الجمل فالزّوج بالخيار، إن شاء أخذ ثلثي الجمل، نصفه بمهر المثل، وسدسه بالوصيّة، وإن شاء فسخ، وليس له إلاّ مهر المثل‏.‏

وذكر الحنابلة أنّ للزّوج ما خالعته عليه إن كان قدر ميراثه منها فما دون، وإن كان بزيادة فله الأقلّ من المسمّى في الخلع أو ميراثه منها، لأنّ ذلك لا تهمة فيه بخلاف الأكثر منها، فإنّ الخلع إن وقع بأكثر من الميراث تطرّقت إليه التّهمة من قصد إيصالها إليه شيئاً من مالها بغير عوض على وجه لم تكن قادرةً عليه أشبه ما لو أوصت أو أقرّت له، وإن وقع بأقلّ من الميراث فالباقي هو أسقط حقّه منه فلم يستحقّه، فتعيّن استحقاقه الأقلّ منهما، وإن شفيت من مرضها ذاك الّذي خالعته فيه فله جميع ما خالعها به كما لو خالعها في الصّحّة، لأنّه ليس من مرض موتها‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّه يجوز خلع الزّوجة المريضة مرضاً مخوفاً إن كان بدل الخلع بقدر إرثه أو أقلّ لو ماتت ولا يتوارثان قاله ابن القاسم‏.‏

أمّا إن زاد بأن كان إرثه منها عشرةً وخالعته بخمسة عشر وأولى لو خالعته بجميع مالها فيحرم عليه لإعانته لها على الحرام، وينفذ الطّلاق ولا توارث بينهما إن كان الزّوج صحيحًا ولو ماتت في عدّتها‏.‏

وقال مالك‏:‏ إن اختلعت منه في مرضها وهو صحيح بجميع مالها لم يجز ولا يرثها، والظّاهر أنّ قول ابن القاسم لا يخالفه، كما قاله أكثر الأشياخ، وردّ الزّائد على إرثه منها، واعتبر الزّائد على إرثه يوم موتها لا يوم الخلع، وحينئذ فيوقف جميع المال المخالع به إلى يوم الموت، فإن كان قدر إرثه فأقلّ، استقلّ به الزّوج، وإن كان أكثر، ردّ ما زاد على إرثه، فإن صحّت من مرضها تمّ الخلع وأخذ جميع ما خالعته به ولو أتى على جميع مالها، ولا توارث بينهما على كلّ حال‏.‏

ب - مرض الزّوج‏:‏

19 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ خلع الزّوج المريض مرض الموت جائز ونافذ بالمسمّى، سواء أكان بمهر المثل أم أقلّ منه، لأنّه لو طلّق بغير عوض لصحّ، فلأن يصحّ بعوض أولى، ولأنّ الورثة لا يفوتهم بخلعه شيء، ومثل المريض في هذا الحكم من حضر صفّ القتال، والمحبوس لقتل أو قطع كما ذكر المالكيّة، وذكروا أيضاً أنّ الإقدام عليه لا يجوز لما فيه من إخراج وارث ولا توارث بينهما سواء أمات في العدّة أم بعدها خلافاً للمالكيّة، فإنّهم ذكروا أنّ زوجته المطلّقة في المرض ترثه إن مات من مرضه المخوف الّذي خالعها فيه، ولو خرجت من العدّة وتزوّجت غيره ولو أزواجاً، أمّا هو فلا يرثها إن ماتت في مرضه المخوف الّذي طلّقها فيه ولو كانت هي مريضة أيضاً، لأنّه الّذي أسقط ما كان بيده، وترثه أيضاً إذا تبرّع أجنبيّ بخلعها منه في مرضه الّذي مات منه وهي في العدّة، كما ذكر الحنفيّة، لأنّها لم ترض بهذا الطّلاق فيعتبر الزّوج فارّاً، فلو أوصى الزّوج لها بمثل ميراثها أو أقلّ صحّ كما ذكر الحنابلة، لأنّه لا تهمة في أنّه أبانها ليعطيها ذلك فإنّه لو لم يبنها لأخذته بميراثها، وإن أوصى لها بزيادة عليه فللورثة منعها ذلك، لأنّه اتّهم في أنّه قصد إيصال ذلك إليها، لأنّه لم يكن له سبيل إلى إيصاله إليها وهي في عصمته، فطلّقها ليوصل ذلك إليها فمنع منه كما لو أوصى لوارث‏.‏

خلع الوليّ

20 - يجوز عند المالكيّة لوليّ غير المكلّف من صبيّ أو مجنون أن يخالع عنهما، سواء أكان الوليّ أباً للزّوج أم وصيّاً أم حاكماً أم مقاماً من جهته، إذا كان الخلع منه لمصلحة، ولا يجوز لوليّ الصّبيّ والمجنون عند مالك وابن القاسم أن يطلّق عليهما بلا عوض، ونقل ابن عرفة عن اللّخميّ جوازه لمصلحة، إذ قد يكون في بقاء العصمة فساد لأمر ظهر أو حدث‏.‏

وأمّا وليّ السّفيه فلا يخالع عنه بغير إذنه، لأنّ الطّلاق بيد الزّوج المكلّف ولو سفيهًا أو عبداً لا بيد الأب، فأولى غيره من الأولياء كالوصيّ والحاكم‏.‏

والخلع عند الحنابلة يصحّ ممّن يصحّ طلاقه بالملك، أو الوكالة، أو الولاية كالحاكم في الشّقاق‏.‏

ولا يجوز للأب أن يخلع زوجة ابنه الصّغير أو يطلّق عليه بعوض أو بغير عوض عند الحنفيّة والشّافعيّة وعلى الرّواية الأشهر عند الحنابلة لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «الطّلاق لمن أخذ بالسّاق»‏.‏

وذهب أحمد في رواية أيّدها القاضي وأصحابه ورجّحها صاحب المبدع إلى أنّ الأب يملك ذلك، لأنّ ابن عمر رضي الله عنهما طلّق على ابن له معتوه، ولأنّه يصحّ أن يزوّجه، فصحّ أن يطلّق عليه إذا لم يكن متّهماً شأنه كالحاكم يفسخ للإعسار ويزوّج الصّغير‏.‏

وأمّا خلع الأب ابنته الصّغيرة فقد ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة على المذهب إلى أنّ من خلع ابنته وهي صغيرة بشيء من مالها لم يجز عليها، لأنّه لا نظر لها فيه، كما ذكر الحنفيّة، إذ البضع غير متقوّم، والبدل متقوّم، بخلاف النّكاح، لأنّ البضع متقوّم عند الدّخول، ولهذا يعتبر خلع المريضة من الثّلث، ونكاح المريض بمهر المثل من جميع المال‏.‏ ولأنّه بذلك يسقط حقّها من المهر والنّفقة والاستمتاع، وإذا لم يجز لا يسقط المهر ولا يستحقّ مالها وللزّوج مراجعتها إن كان ذلك بعد الدّخول كما في المهذّب، وذكر الحنفيّة في وقوع الطّلاق أو عدم وقوعه روايتين منشؤهما قول محمّد بن الحسن في الكتاب لم يجز، فإنّه يحتمل أن ينصرف إلى الطّلاق وأن ينصرف إلى لزوم المال، والصّحيح أنّ الطّلاق واقع، وعدم الجواز منصرف إلى المال، نصّ عليه في المنتقى لأنّ لسان الأب كلسانها‏.‏

وأمّا المالكيّة فقد جوّزوا خلع المجبر كأب عن المجبرة من مالها ولو بجميع مهرها بغير إذنها، وأمّا غير المجبر كوصيّ فليس له أن يخالع عمّن تحت إيصائه من مالها بغير إذنها، وكذا بإذنها على الأرجح‏.‏

وذكر الحنابلة في قول ذكره صاحب المبدع بلفظ قيل‏:‏ إنّه له ذلك إذا رأى الحظّ فيه كتخليصها ممّن يتلف مالها ويخاف منه على نفسها وعقلها، والأب وغيره في ذلك سواء إذا خالعوا في حقّ المجنونة والمحجور عليه لسفه أو صغر، وظاهره أنّه إذا خالع بشيء من ماله أنّه يجوز، صرّح به في الشّرح وغيره، لأنّه يجوز مع الأجنبيّ، فمن الوليّ أولى‏.‏

خلع الفضوليّ

21 - للفقهاء في خلع الفضوليّ اتّجاهان‏:‏

الأوّل‏:‏ جوازه وصحّته وهو قول الحنفيّة لكن بقيد وهو أن يضيف البدل إلى نفسه على وجه يفيد ضمانه له أو ملكه إيّاه، مثل أن يقول‏:‏ اخلعها بألف عليّ أو على أنّي ضامن أو على ألفي هذه، فإن أرسل الخلع بأن قال على ألف أو على هذا الجمل، فإن قبلت لزمها تسليمه، أو قيمته إن عجزت، وإن أضافه إلى غيره كجمل فلان اعتبر قبول فلان‏.‏

وهو جائز أيضاً عند المالكيّة سواء قصد الفضوليّ بذلك جلب مصلحة أو درء مفسدة أو إسقاط نفقتها عن الزّوج كما في ظاهر المدوّنة إلاّ أنّ ابن عبد السّلام من المالكيّة قيّد صحّته بعدم قصد الفضوليّ إسقاط نفقة العدّة عن الزّوج فإن قصد إسقاطها عنه فقد حكي فيه ثلاثة أقوال‏:‏

أ - يردّ العوض ويقع الطّلاق بائنًا وتسقط نفقة العدّة وهو ظاهر المدوّنة واقتصر عليه البرزليّ‏.‏

ب - يردّ العوض ويقع الطّلاق رجعيّاً ولا تسقط نفقتها واختاره ابن عبد السّلام وابن عرفة‏.‏

ج - يقع الطّلاق بائناً ولا تسقط النّفقة ويجري مثل هذا فيمن قصد دفع العوض ليتزوّجها‏.‏ وذهب الشّافعيّة أيضاً إلى جوازه بناءً على أنّ الخلع طلاق، سواء أكان بلفظ طلاق أم خلع، فخلع الفضوليّ عندهم بناءً على هذا القول كاختلاع الزّوجة لفظاً وحكماً، وذكروا أنّ الخلع من جانب الزّوج ابتداء معاوضة فيها شوب تعليق، ومن جانب الأجنبيّ ابتداء معاوضة فيها شوب جعالة، فإذا قال الزّوج للفضوليّ طلّقت امرأتي على ألف في ذمّتك فقبل، أو قال الفضوليّ للزّوج‏:‏ طلّق امرأتك على ألف في ذمّتي فأجاب، وقع الطّلاق بائناً بالمسمّى، وللزّوج أن يرجع قبل قبول الفضوليّ نظراً لشوب التّعليق، وللفضوليّ أن يرجع قبل إجابة الزّوج نظراً لشوب الجعالة‏.‏

وخلع الفضوليّ جائز أيضاً عند أكثر الحنابلة ولا تتوقّف صحّته على قبول المرأة فيكون التزامه للمال فداءً لها، كالتزام المال لعتق السّيّد عبده، وقد يكون له في ذلك غرض صحيح، كتخليصها ممّن يسيء عشرتها ويمنعها حقوقها‏.‏

الثّاني‏:‏ عدم الصّحّة وقد ذهب إلى ذلك أبو ثور ومن قال من الشّافعيّة والحنابلة إنّ الخلع فسخ، واستدلّ أبو ثور بأنّه يبذل عوضاً في مقابلة ما لا منفعة له فيه‏.‏

واستدلّوا بأنّ الفسخ بلا سبب لا ينفرد به الزّوج فلا يصحّ طلبه منه‏.‏

التّوكيل في الخلع

22 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ التّوكيل في الخلع جائز من كلّ واحد من الزّوجين ومن أحدهما منفرداً، والضّابط فيه أنّ كلّ من يصحّ أن يتصرّف بالخلع لنفسه جاز توكيله ووكالته ذكراً أو أنثى، مسلماً أو كافراً، محجوراً عليه أو رشيداً، لأنّ كلّ واحد منهم يجوز أن يوجب الخلع، فصحّ أن يكون وكيلاً وموكّلاً فيه‏.‏

وجاء في البحر الرّائق عن محمّد بن الحسن أنّ توكيل الصّبيّ والمعتوه عن البالغ العاقل بالخلع صحيح، وذكر الشّافعيّة أنّ وكيل المرأة لا يجوز أن يكون سفيهاً حتّى وإن أذن له الوليّ إلاّ إذا أضاف المال إليها فتبين ويلزمها، لأنّه لا ضرر عليه في ذلك‏.‏

ولا يجوز عند الشّافعيّة أيضاً توكيل محجور عليه في قبض العوض في الخلع فإن وكّله وقبض، ففي التّتمّة أنّ المختلع يبرأ والموكّل مضيّع لماله وأقرّه الشّيخان‏.‏

والأصحّ‏:‏ عندهم أيضًا صحّة توكيله امرأةً لخلع زوجته أو طلاقها لأنّ للمرأة تطليق نفسها بقوله لها‏:‏ طلّقي نفسك، وذلك تمليك للطّلاق أو توكيل به‏.‏

والثّاني‏:‏ لا يصحّ لأنّها لا تستقلّ بالطّلاق، ولو وكّلت الزّوجة امرأةً باختلاعها جاز بلا خلاف لاستقلال المرأة بالاختلاع‏.‏

وذكر الحنفيّة سوى محمّد بن الحسن أنّ الواحد لا يصلح أن يكون وكيلاً في الخلع من الجانبين، وذكر الشّافعيّة أنّ الوكيل في الخلع من الجانبين يتولّى طرفاً منه مع أحد الزّوجين أو وكيله، ولا يتولّى الطّرفين كما في البيع، ويرى الحنابلة في المذهب ومحمّد والشّافعيّة في قول‏:‏ إنّه يتولّى الطّرفين قياساً على النّكاح، ولأنّ الخلع يكفي فيه اللّفظ من أحد الجانبين كما لو قال‏:‏ إن أعطيتني ألفاً فأنت طالق فأعطته ذلك، يقع الطّلاق خلعاً‏.‏

والوكيل في الخلع لا ينعزل بمضيّ المدّة عند الحنفيّة‏.‏

هذا ويكون توكيل المرأة في ثلاثة أشياء‏:‏ استدعاء الخلع - أو الطّلاق - وتقدير العوض وتسليمه‏.‏

ويكون توكيل الرّجل أيضًا في ثلاثة أشياء‏:‏ شرط العوض - وقبضه - وإيقاع الطّلاق أو الخلع‏.‏

والتّوكيل جائز مع تقدير العوض ومن غير تقدير، لأنّه عقد معاوضة، فصحّ ذلك كالبيع والنّكاح إلاّ أنّ التّقدير مستحبّ لأنّه أسلم من الغرر، وأسهل على الوكيل لاستغنائه عن الاجتهاد‏.‏ وعلى هذا فإنّ توكيل الزّوج أو الزّوجة لا يخلو من حالين‏:‏

أحدهما‏:‏ أن يقدّرا العوض كمائة مثلاً‏.‏

والثّاني أن يطلقا الوكالة من غير تقدير، كأن يوكّلاه في الخلع فقط، وينبغي لوكيل الزّوج أو وكيل الزّوجة أن يفعل كلّ منهما ما من شأنه أن يعود بالنّفع على موكّله، فلا ينقص وكيل الزّوج عمّا قدّره له، فإن استطاع أن يزيد عليه فليفعل وكذا وكيل الزّوجة، فإنّ عليه أن لا يزيد عمّا قدّرته له، فإن استطاع أن يخلعها بأقلّ منه فليفعل‏.‏

وينبغي لوكيل الزّوج في حالة الإطلاق أن لا يخالع بأقلّ من مهر المثل بل بأكثر، وينبغي لوكيل الزّوجة أيضاً أن لا يخلعها بأكثر من مهر المثل في حالة الإطلاق‏.‏

عدّة المختلعة

23 - ذهب جمهور الفقهاء ‏"‏ الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة في المذهب ‏"‏ إلى أنّ عدّة المختلعة عدّة المطلّقة وهو قول سعيد بن المسيّب وسالم بن عبد اللّه، وسليمان بن يسار، وعمر بن عبد العزيز، والحسن، والشّعبيّ، والنّخعيّ، والزّهريّ وغيرهم‏.‏

وفي قول عن أحمد‏:‏ إنّ عدّتها حيضة وهو المرويّ عن عثمان بن عفّان، وابن عمر، وابن عبّاس، وأبان بن عثمان، وإسحاق، وابن المنذر‏.‏

واحتجّ القائلون بأنّ عدّتها حيضة بما رواه النّسائيّ وابن ماجه عن ابن عبّاس رضي الله عنهما «أنّ امرأة ثابت بن قيس اختلعت منه فجعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم عدّتها حيضةً»‏.‏ وبأنّ عثمان رضي الله عنه قضى به‏.‏

واحتجّ القائلون بأنّ عدّتها عدّة المطلّقة بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ‏}‏‏.‏

ولأنّ الخلع فرقة بين الزّوجين في الحياة بعد الدّخول فكانت العدّة ثلاثة قروء كغير الخلع‏.‏

الرّكن الثّالث‏:‏ المعوَّض وهو البضع‏:‏

24 - يشترط فيه كما جاء في الرّوضة من كتب الشّافعيّة أن يكون مملوكاً للزّوج، فأمّا البائن بخلع وغيره فلا يصحّ خلعها، ويشترط في الخلع عند المالكيّة أيضاً أن يصادف محلّاً، فإن كانت الزّوجة بائنًا وقت الخلع، فإنّ الخلع لا يقع، لأنّه لم يصادف محلّاً، وتستردّ الزّوجة المال الّذي دفعته للزّوج، ويسقط عنها ما التزمته من رضاع ولدها، أو نفقة حمل، أو إسقاط حضانتها‏.‏

والفقهاء متّفقون على أنّ الخلع لا يصحّ إلاّ مع الزّوجة الّتي في عصمة زوجها، حقيقةً، وهي الّتي لم تفارق زوجها بطلاق بائن ونحوه، كاللّعان مثلاً، أو حكماً، وهي الّتي طلّقها زوجها طلاقاً رجعيّاً ولم تنقض عدّتها، فإنّها حينئذ زوجة والنّكاح بينها وبين زوجها قائم، وتسري عليها كافّة الأحكام الخاصّة بالزّوجات، ولو مات زوجها قبل انقضاء عدّتها فإنّها ترث منه، ولو قال الزّوج‏:‏ كلّ امرأة لي طالق تدخل هذه المطلّقة فيه كما ذكر الحنفيّة ويقع عليها الطّلاق، إلاّ أنّ الخرقيّ من الحنابلة ذكر أنّ الرّجعيّة محرّمة، لأنّ ظاهر قوله يدلّ على ذلك، فقد جاء في المغني عنه ‏"‏ وإذا لم يدر أواحدة طلّق أم ثلاثاً‏؟‏ فهو متيقّن للتّحريم شاكّ في التّحليل ‏"‏ وقد روي عن أحمد ما يدلّ على هذا، وظاهر مذهب الحنابلة كما قال القاضي‏:‏ إنّها مباحة‏.‏

وأمّا مخالعة الزّوج لها أي الرّجعيّة في أثناء العدّة فتصحّ عند المالكيّة، ولا تستردّ المال الّذي دفعته للزّوج ولزم الزّوج أن يوقع عليها طلقةً أخرى بائنةً، وتصحّ أيضاً عند الشّافعيّة في أظهر الأقوال، وهو أيضاً ما ذهب إليه الحنابلة سوى الخرقيّ، لأنّها زوجة صحّ طلاقها فصحّ خلعها كما قبل الطّلاق‏.‏

وذهب الشّافعيّة في قول‏:‏ إلى عدم صحّة مخالعتها لعدم الحاجة إلى الافتداء، وذهب الشّافعيّة في قول آخر ذكره النّوويّ في الرّوضة بلفظ، قيل‏:‏ إلى أنّ الرّجعيّة يصحّ خلعها بالطّلقة الثّالثة دون الثّانية لتحصل البينونة الكبرى، هذا ويلزم ممّا ذكره الحنفيّة من وقوع الطّلاق على الرّجعيّة قبل انقضاء عدّتها صحّة مخالعتها لأنّ الخلع على القول الّذي عليه الفتوى عندهم طلاق‏.‏

الرّكن الرّابع‏:‏ العوض‏:‏

25 - العوض ما يأخذه الزّوج من زوجته في مقابل خلعه لها، وضابطه عند الحنفيّة، والمالكيّة والشّافعيّة، وعند الحنابلة في المذهب أن يصلح جعله صداقاً، فإنّ ما جاز أن يكون مهراً جاز أن يكون بدل خلع‏.‏

والعوض في الخلع يجوز أن يكون مالاً معيّناً أو موصوفًا، ويجوز أن يكون ديناً للمرأة على الزّوج تفتدي به نفسها، ويجوز أن يكون منفعةً وذلك أن يخالعها على إرضاع ولده منها، أو من غيرها مدّةً معلومةً معيّنةً، كما ذكر المالكيّة والشّافعيّة، أو مطلّقةً كما ذكر الحنابلة، فإن ماتت المرضعة، أو الصّبيّ، أو جفّ لبنها قبل ذلك فعليها أجرة المثل لما بقي من المدّة، لأنّه عوض معيّن تلف قبل قبضه فوجبت قيمته، أو مثله، كما لو خالعها على قفيز فهلك قبل قبضه‏.‏

ولا يجوز أن يكون العوض في الخلع إخراج المرأة من مسكنها الّذي طلقت فيه لأنّ سكناها فيه إلى انقضاء العدّة حقّ للّه، لا يجوز لأحد إسقاطه لا بعوض ولا بغيره، وبانت منه ولا شيء عليها للزّوج كما ذكر المالكيّة، واستثنوا من ذلك أن تتحمّل هي أجرة المسكن من مالها زمن العدّة، فإنّ ذلك جائز‏.‏

وذكر الشّافعيّة في هذه المسألة أنّ للمرأة السّكنى وللزّوج مهر المثل‏.‏

26 - وذكر الفقهاء أيضاً أنّ العوض في الخلع إن كان معلومًا ومتموّلاً ومقدوراً على تسليمه فإنّ الخلع يعتبر صحيحاً‏.‏

أمّا إذا فسد العوض باختلال شرط من شروطه، كاختلال شرط العلم، أو الماليّة، أو القدرة على التّسليم، فإنّ الخلع يعتبر فاسداً، وفيه خلاف، سببه تردّد العوض هاهنا بين العوض في البيوع، أو الأشياء الموهوبة، أو الموصى بها فمن شبّهه بالبيوع اشترط فيه ما يشترط في البيوع وفي أعواض البيوع‏.‏ ومن شبّهه بالهبات لم يشترط فيه ذلك‏.‏

وتتلخّص أحكامه في مسألتين‏:‏

الأولى‏:‏ الخلع بالمجهول وبالمعدوم وبالغرر أو بما لا يقدر على تسليمه‏.‏

الخلع بالمجهول جائز عند الحنفيّة، لأنّ الخلع عندهم إسقاط يجوز تعليقه وخلوّه من العوض بالكلّيّة، وهو ممّا يجري فيه التّسامح، فيجوز بالمجهول إلى الأجل المجهول المستدرك الجهالة وعلى هذا الأصل يجوز اختلاعها على زراعة أرضها، وركوب دابّتها، وخدمتها له على وجه لا يلزم خلوته بها، أو خدمة الأجنبيّ، لأنّ هذه تجوز مهراً‏.‏

ويجوز الخلع عند المالكيّة أيضاً بالمجهول والغرر، فيجوز للمرأة عندهم أن تخالع زوجها بما في بطن ناقتها، ومثله الآبق، والشّارد، والثّمرة الّتي لم يبد صلاحها، وبحيوان، وعرض غير موصوف، أو بأجل مجهول، وللزّوج عليها الوسط من جنس ما وقعت المخالعة به، لا من وسط ما يخالع به النّاس ولا يراعى في ذلك حال المرأة، وإذا انفشّ الحمل الّذي وقع الخلع عليه فلا شيء للزّوج، لأنّه مجوّز لذلك والطّلاق بائن‏.‏

ويصحّ الخلع عند الحنابلة أيضاً بالمجهول في ظاهر المذهب، وبالمعدوم الّذي ينتظر وجوده، لأنّ الطّلاق معنىً يجوز تعليقه بالشّرط، فجاز أن يستحقّ به العوض المجهول كالوصيّة، ولأنّ الخلع إسقاط لحقّه من البضع وليس فيه تمليك شيء، والإسقاط تدخله المسامحة ولذلك جاز بغير عوض على رواية‏.‏

ولا يجوز عند الشّافعيّة الخلع على ما فيه غرر كالمجهول، وهو قول أبي بكر من الحنابلة في الخلع بالمجهول وبالمعدوم الّذي ينتظر وجوده، وهو قياس قول أحمد، وجزم به أبو محمّد الجوزيّ، ومثله عند الشّافعيّة الخلع على محرّم، أو على ما لم يتمّ ملكه عليه، أو على ما لا يقدر على تسليمه، لأنّه عقد معاوضة فلا يجوز على ما ذكر، كالبيع والنّكاح، فلو خالع بشيء ممّا ذكر بانت بمهر المثل عند الشّافعيّة، لأنّه المراد عند فساد العوض‏.‏

الرّكن الخامس‏:‏ الصّيغة‏:‏

27 - صيغة الخلع هي الإيجاب والقبول‏.‏

أمّا الإيجاب والقبول فهما ركنا الخلع عند الحنفيّة إن كان بعوض، ويشترط فيهما كما ذكر الشّافعيّة إن بدأ الزّوج بصيغة معاوضة، كقوله خالعتك على كذا القبول لفظاً ممّن يتأتّى منه النّطق، وبالإشارة المفهمة من الأخرس وبالكتابة منهما، وأن لا يتخلّل بين الإيجاب والقبول كلام أجنبيّ كثير ممّن يطلب منه الجواب لإشعاره بالإعراض بخلاف اليسير مطلقاً، والكثير ممّن لم يطلب منه الجواب، وأن يكون القبول على وفق الإيجاب، فلو اختلف الإيجاب والقبول كطلّقتك بألف فقبلت بألفين، وعكسه كطلّقتك بألفين فقبلت بألف، أو طلّقتك ثلاثاً بألف فقبلت واحدةً بثلث ألف، فلغو في المسائل الثّلاث للمخالفة كما في البيع‏.‏

وأمّا إذا ابتدأ الزّوج بصيغة تعليق في الإثبات، كمتى أو متى ما، أو أي حين، أو زمان، أو وقت أعطيتني كذا فأنت طالق فلا يشترط فيه القبول لفظاً، لأنّ الصّيغة لا تقتضيه، ولا يشترط الإعطاء فوراً في المجلس أي مجلس التّواجب‏.‏ بخلاف ما لو ابتدأ ‏"‏ بصيغة تعليق في النّفي، كقوله متى لم تعطني كذا فأنت طالق، فإنّه يكون على الفور ‏"‏ ومثل ذلك ما لو قالت له‏:‏ متى طلّقتني فلك عليّ ألف، فإنّ الجواب يختصّ بمجلس التّواجب‏.‏

تعليق الخلع بالشّرط

28 - الخلع إن كان من جانب الزّوجة بأن كانت هي البادئة بسؤال الطّلاق، فإنّه لا يقبل التّعليق بالشّرط والإضافة إلى الوقت عند الحنفيّة والشّافعيّة،لأنّ الخلع من جانبها معاوضة، وإن كان من جانب الزّوج فإنّه يقبل التّعليق بالشّرط والإضافة إلى الوقت عند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة، لأنّ الخلع من جانبه يمين، ومثله الطّلاق على مال‏.‏

وأمّا الحنابلة فلم يجوّزوا تعليق الخلع قياساً على البيع‏.‏

شرط الخيار في الخلع

29 - يصحّ للزّوجة شرط الخيار في الخلع لا للزّوج عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمّد لا يصحّ لها أيضاً، لأنّ إيجاب الزّوج يمين ولهذا لا يملك الرّجوع عنه ويتوقّف على ما وراء المجلس وصحّت إضافته وتعليقه بالشّرط لكون الموجود من جانبه طلاقاً وقبولها شرط اليمين فلا يصحّ خيار الشّرط فيهما، لأنّ الخيار للفسخ بعد الانعقاد لا للمنع من الانعقاد، واليمين وشرطها لا يحتملان الفسخ‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ إنّ الخلع من جانبها معاوضة لكون الموجود من جهتها مالاً، ولهذا يصحّ رجوعها قبل القبول، ولا تصحّ إضافته وتعليقه بالشّرط، ولا يتوقّف على ما وراء المجلس فصار كالبيع، ولا نسلّم أنّه للفسخ بعد الانعقاد، بل هو مانع من الانعقاد في حقّ الحكم وكونه شرطاً ليمين الزّوج لا يمنع أن يكون معاوضةً في نفسه‏.‏

ألفاظ الخلع

30 - ألفاظ الخلع سبعة عند الحنفيّة وهي‏:‏ خالعتك - باينتك - بارأتك - فارقتك - طلّقي نفسك على ألف - والبيع كبعت نفسك - والشّراء كاشتري نفسَك‏.‏

وله عند المالكيّة‏:‏ أربعة ألفاظ وهي‏:‏ الخلع والفدية، والصّلح، والمبارأة وكلّها تؤوّل إلى معنىً واحد وهو بذل المرأة العوض على طلاقها‏.‏

وألفاظ الخلع عند الشّافعيّة والحنابلة تنقسم إلى صريح وكناية‏:‏ فالصّريح المتّفق عليه عندهم لفظان‏:‏ لفظ خلع وما يشتقّ منه لأنّه ثبت له العرف‏.‏

ولفظ المفاداة وما يشتقّ منه لوروده في القرآن، وزاد الحنابلة لفظ فسخ لأنّه حقيقة فيه‏.‏ وهو من كنايات الخلع عند الشّافعيّة ومن كناياته عندهم أيضاً بيع‏.‏

ولفظ بارأتك، وأبرأتك، وأبّنتك، وصريح خلع وكنايته، كصريح طلاق وكنايته عند الشّافعيّة والحنابلة، فإذا طلبت الخلع وبذلت العوض فأجابها بصريح الخلع وكنايته، صحّ من غير نيّة، لأنّ دلالة الحال من سؤال الخلع، وبذل العوض صارفة إليه فأغنى عن النّيّة فيه، وإن لم يكن دلالة حال فأتى بصريح الخلع وقع من غير نيّة، سواء قلنا هو فسخ أو طلاق، ولا يقع بالكناية إلاّ بنيّة ممّن تلفّظ به منهما، ككنايات الطّلاق مع صريحه‏.‏

اختلاف الزّوجين في الخلع أو في عوضه

31 - إذا ادّعى الزّوج الخلع، والزّوجة تنكره بانت بإقراره اتّفاقاً، وأمّا دعوى المال فتبقى بحالها كما ذكر الحنفيّة، ويكون القول قولها فيها، لأنّها تنكر، والقول قولها بيمينها في نفي العوض عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة‏.‏

أمّا إذا ادّعت الزّوجة الخلع، والزّوج ينكره فإنّه لا يقع كيفما كان، كما ذكر الحنفيّة، ويصدّق الزّوج بيمينه عند الشّافعيّة في هذه المسألة، لأنّ الأصل عدمه، والقول قوله ولا شيء عليه عند الحنابلة لأنّه لا يدّعيه‏.‏

وأمّا المالكيّة فإنّهم لم يصرّحوا بهذه المسألة ولكن يفهم ممّا ذكروه فيما لو قالت الزّوجة‏:‏ طلّقتني ثلاثاً بعشرة فقال الزّوج‏:‏ بل طلقة واحدة بعشرة، فالقول قول الزّوج بلا يمين، ووقعت البينونة، لأنّ ما زاد على ما قاله الزّوج هي مدّعية له، وكلّ دعوى لا تثبت إلاّ بعدلين فلا يمين بمجرّدها، والمنقول عندهم أنّ القول قوله بيمينه، فإن نكل حبس، ولا يقال تحلف ويثبت ما تدّعيه، لأنّ الطّلاق لا يثبت بالنّكول مع الحلف وتبين منه في اتّفاقهما على الخلع، وتكون رجعيّةً في غيره‏.‏

أمّا إذا اتّفقا على الخلع، واختلفا في قدر العوض، أو جنسه، أو حلوله، أو تأجيله، أو صفته فالقول قول المرأة عند الحنفيّة، وعند الحنابلة في رواية حكاها أبو بكر نصّاً عن أحمد، والقول قولها أيضاً بيمينها عند المالكيّة، لأنّ القول قولها في أصله فكذا في صفته ‏;‏ ولأنّها منكرة للزّيادة في القدر، أو الصّفة، فكان القول قولها، لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «اليمين على المدّعى عليه» وعلى القول‏:‏ إنّ الخلع فسخ لا يقال يتحالفان كالمتبايعين، لأنّ التّحالف في البيع يحتاج إليه لفسخ العقد، والخلع في نفسه فسخ فلا يفسخ‏.‏

وذكر القاضي روايةً أخرى عن أحمد أنّ القول قول الزّوج ‏;‏ لأنّ البضع يخرج من ملكه فكان القول قوله في عوضه‏.‏

وذكر الشّافعيّة في هذه المسألة أنّ الزّوجين إن لم يكن لأحدهما بيّنة، أو كان لكلّ منهما بيّنة وتعارضتا تحالفا كالمتبايعين في كيفيّة الحلف ومن يبدأ به‏.‏ ويجب ببينونتها بفوات العوض مهر المثل وإن كان أكثر ممّا ادّعاه، لأنّه المردّ، فإن كان لأحدهما بيّنة عمل بها‏.‏